يسعى ملايين الأفراد حول العالم إلى تحسين أوضاعهم المالية وتحقيق قفزة نوعية نحو طبقة اجتماعية أعلى. غير أن هذا الانتقال لا يقتصر فقط على زيادة الدخل أو الحصول على راتب أعلى، بل يتطلب تغييرًا جذريًا في العقلية المالية وأسلوب إدارة الأموال، وفقًا لما يؤكده الخبير الاقتصادي ستيف بيرنز.
بيرنز، الذي ألّف العديد من الكتب المتخصصة في الاقتصاد وإدارة الثروات، يرى أن بناء الثروة والاستقرار المالي لا يتحققان بمجرد كسب المزيد من المال، وإنما عبر قواعد مالية تبني من خلالها استراتيجيات مالية ذكية تعزز الاستدامة والنمو على المدى الطويل. ومن خلال دراساته وخبراته، استخلص خمس قواعد أساسية أثبتت فعاليتها في مساعدة الأفراد على تحقيق استقلالهم المالي والارتقاء إلى الطبقة العليا.
أهم 5 قواعد مالية
فيما يلي أهم 5 قواعد مالية تساعدك في التحول من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة العليا عندما يتم اتباعها باستمرار وانضباط:
1. تعزيز الدخل من خلال تطوير المهارات
يقول ستيف بيرنز أن بناء الثروة يعتمد بشكل أساسي على امتلاك مهارات ذات عوائد مرتفعة. بينما تركز الطبقة المتوسطة غالباً على العمل بجهد أكبر داخل الوظيفة، يوجه بناة الثروات من الطبقة العليا جهودهم نحو تطوير مهارات سوقية ذات قيمة تطلب تعويضات متميزة. هذه المهارات تشمل مجالات مثل المبيعات، تطوير الأعمال، التخصصات التكنولوجية، ومعرفة الاستثمار.
الفرق الرئيسي يكمن في الأسلوب المُتبع لتنمية هذه المهارات. بدلاً من السعي إلى ترقيات وظيفية تقليدية، يركز بناة الثروات على إتقان مهارات تؤثر مباشرة على قدراتهم في تحقيق الدخل أو تنمية الأعمال. فمثلاً، يمكن أن يتخصصوا في التسويق الرقمي، تحسين مهارات البيع عالية القيمة، أو اكتساب خبرة تقنية متعمقة تتيح لهم العمل بمعدلات مرتفعة.
كما يذكر الجوهر هنا هو الخروج من دوامة تبادل الوقت بالمال إلى بناء مصادر دخل قابلة للنمو والتوسع. بدلاً من الاعتماد حصرياً على الرواتب، يسعى بناة الثروات إلى تحويل خبراتهم إلى ملكيات منتجة مثل الأعمال التجارية، الملكية الفكرية، أو أصول استثمارية تدر دخلاً دون الحاجة إلى المشاركة اليومية النشطة.
غالباً يبدأ هذا الانتقال عبر مشاريع جانبية تستند إلى الخبرة الحالية للفرد. يمكنك مثلاً تقديم خدمات استشارية في مجالك، إنشاء دورات تعليمية إلكترونية لمشاركة معرفتك، أو تصميم حلول برمجية لتلبية احتياجات محددة في السوق. الهدف النهائي هو بناء تدفقات دخل تتسم بالنمو الذاتي بعيداً عن مدى ارتباطها المباشر بوقتك وجهودك الشخصية.
2. تجنب تضخم نمط الحياة
يؤكد الخبير الاقتصادي ستيف بيرنز أن إحدى العقبات الكبرى التي تعترض طريق بناء الثروة هي تضخم نمط الحياة، وهي الظاهرة التي تدفع الأفراد إلى زيادة إنفاقهم مع كل ارتفاع في دخلهم. ويوضح أن الأثرياء الحقيقيين لا يقعون في هذا الفخ؛ بل يتبنون نهجًا استراتيجيًا في إنفاقهم، حيث يحافظون على مستوى معيشة متوازن يعكس احتياجاتهم الفعلية بدلًا من الرضوخ للنزعة الاستهلاكية المفرطة. هذا لا يعني العيش بتقشف، ولكن اتخاذ قرارات مالية ذكية تضمن توجيه الأموال نحو الأصول التي تعزز النمو المالي على المدى الطويل.
التمييز بين الضروريات والكماليات
يشدد بيرنز على أهمية إدراك الفرق بين التحسينات الجوهرية في نمط الحياة وبين النفقات غير الضرورية. فبينما قد يكون شراء منزل في منطقة ذات مدارس جيدة استثمارًا ذكيًا، فإن اقتناء سيارة فاخرة أو ملابس مصممة قد لا يساهم في بناء الثروة. ويكمن التحدي في إعادة توجيه الموارد المالية نحو ما يعزز القيمة الصافية للفرد بدلاً من استنزافها في مظاهر الرفاهية المؤقتة.
3. بناء الثروة من خلال الأصول لا الالتزامات
يرى بيرنز أن الفرق الجوهري بين الأصول والالتزامات هو ما يحدد الاتجاه المالي للفرد. فالأصول هي تلك التي تضيف إلى ثروتك بمرور الوقت، مثل العقارات المدرة للدخل، الأسهم التي تمنح أرباحًا، أو الاستثمار في شركات ذات نمو مستدام. أما الالتزامات، على العكس، فهي تستنزف الموارد المالية لأنها تحمل تكاليف مستمرة دون تحقيق أي عائد مستقبلي، مثل السيارات الفاخرة أو القوارب والدراجات النارية.
4. الاستفادة من الديون
يقول بيرنز أن الاختلاف في التعامل مع الديون أحد الفوارق الجوهرية بين الطبقة المتوسطة وبناة الثروات من الطبقة العليا. فبينما تتجنب الطبقة المتوسطة الديون بشكل عام خوفًا من المخاطر المالية، يدرك الأثرياء أن الديون يمكن أن تكون أداة قوية لتعزيز الثروة إذا تم استخدامها بذكاء. المفتاح هنا هو التمييز بين الديون الاستهلاكية والديون الاستثمارية—فالأولى تستنزف الموارد دون تحقيق عائد، بينما يمكن للثانية أن تكون رافعة مالية تولد أرباحًا تفوق تكلفة الاقتراض.
الفرق الحقيقي لا يكمن في تجنب الديون، بل في كيفية إدارتها واستغلالها كأداة للنمو المالي. فالطبقة العليا لا ترى الاقتراض كعبء، بل كوسيلة لتوسيع استثماراتها وتعظيم أرباحها بطريقة مدروسة. بالتالي، فإن التفكير المالي الذكي لا يركز على تجنب الديون تمامًا، بل على استخدامها بحكمة لبناء الأصول وزيادة الثروة على المدى الطويل
5. اجعل المال يعمل لصالحك
يؤكد ستيف بيرنز أن الاعتماد على الراتب وحده لبناء الثروة يعني مقايضة الوقت بالمال بطريقة محدودة وغير قابلة للتوسع، وهو نهج خطي لا يسمح بتحقيق قفزات مالية كبيرة. في المقابل، يعتمد الأثرياء على إنشاء أنظمة واستثمارات قادرة على النمو والتوسع دون الحاجة إلى تدخل مباشر ومستمر.
ويوضح بيرنز أن هذا النهج قد يتجسد في عدة استراتيجيات، مثل تأسيس مشروع تجاري يمكن تشغيله وتوسيعه دون الحاجة إلى إشراف دائم، أو الاستثمار في الأصول الفكرية التي تدر عائدات متكررة، أو بناء محفظة عقارية ديناميكية، حيث يتم إعادة استثمار التدفقات النقدية من كل عقار لشراء المزيد من الأصول، مما يخلق دورة مستدامة للنمو المالي.
ختاماً
الانتقال من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة العليا ليس مجرد مسألة زيادة الدخل، بل يتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة تفكيرنا وتعامُلنا مع المال. يمكنك بناء ثروة مستدامة على المدى الطويل من خلال التركيز على هذه القواعد الخمس